من منصات التتويج إلى قاع البحر هلال الحاج بطل حاصرتهُ الحرب فابتلعهُ البحر

 

في صباح رمادي من يوم الاثنين، السادس عشر من سبتمبر 2019م على شاطئ مدينة مليلة الإسبانية، لفظ البحر جسداً رياضياً ما زالت عضلاته مشدودة كما لو أنه يستعد لجولة جديدة.

الكابتن هلال الحاج

جسدٌ اعتاد أن يركل الهواء بخفة، وأن يسدد ضرباته القاضية فوق منصات النزال، وأن يرفع علم بلاده اليمن عالياً في صالات الكونغ فو المحلية والإقليمية. لكن ذلك الصباح لم يكن موعداً لمباراة جديدة، بل لنزال أخير أمام خصم لا يُهزم: البحر الأبيض المتوسط.

وصلت فرق الإنقاذ الاسبانية، فوجدت البطل اليمني هلال علي الحاج ممدداً على الشاطئ، وقد حقق حلمه الأخير بالوصول إلى أوروبا والهروب من جحيم الحرب الذي تقتات على بلاده منذ سنوات , فرق الإنقاذ التابعة للسطات الاسبانية اكدت عن انتهاء معركته الأخير مع أمواج البحر الأبيض المتوسط, وتعلن عن هزيمة البطل الذي اعتاد أن يتغلب على أقوى الخصوم، حتى تلك الرئة التي كانت تمتلئ بالشغف في حلبات النزال، لم تستطع الصمود في 'أهم نزال يخوضه في حياته أمام الأمواج وتلقى هزيمته الأخيرة ودفع أثمن ما يملك ( حياته) ' ليرحل البطل اليمني هلال علي الحاج وهو لم يكمل عامه الرابع والعشرين تاركاً الوسط الرياضي اليمني والأولمبي في صدمة

 

*ولادة بطل وشغف اللعبة*

في ليلة العشرين من يوليو عام 1995، لم يكن السيد علي الحاج يعلم أن طفله الجديد سيعانق منصات التتويج يوماً ما، ويرفع علم اليمن مزينًا بالميداليات الملونة على صدره.

كل ما كان يتمناه أن يكون ولده ناجحاً وذا شأن في زمن صعب.

فسمّاه هلال، تيمّناً بذلك الهلال الذي كان يتوسط سماء صنعاء حينها وضوئه الذي يتسلل إلى غرف منزلهم وسط حي مذبح في العاصمة اليمنية صنعاء ومع بلوغ هلال العاشرة من عمره، بدأ الشغف يتكوّن في داخله كان مختلفاُ عيناه تمتلئ بالشغف ولكل ما يتصل بالرياضة .

فبعد كل يوم دراسي، كان ينتظر بفارغ الصبر أن يرافق شقيقه الأكبر سعيد عبر الأزقة الضيقة والشوارع المزدحمة التي يمرون بها حتى يصلوا إلى المركز اليمني لرياضة الووشو كونغ فو، حيث يجري سعيد تمارينه اليومية.

كانت أصوات الحلبة، وصدى الركلات، وصيحات المدربين تملأ مخيلة هلال الصغير وتشعل في روحه الحماس وتعيد ترتيب اهتماماته وأولوياته وكأن صوت داخلي يناديه حان دورك .

هناك، قرر هلال أن يصنع من جسده النحيل آلةً مقاتلة، وأن يسير على خُطا شقيقه سعيد . بدأ يتدرب يوميًا بعزيمة وإصرار وصبر لبناء جسده، مما لفتت انتباه المدرب الصيني للمنتخب اليمني زورنج، الذي قال عنه يومًا بابتسامة واثقة: “هلال سيكون بطل اليمن القادم.”

ولم يكن ذلك مجرد تنبؤ. فبعد فترة قصيرة، جاء موعد مشاركة هلال الأولى ببطولة رسمية ومحلية، خالف حينها كل التوقعات وأحرز المركز الأول ليُتوج بطل الجمهورية في وزن 52 كجم.

من أواخر العام 2011م كان ذلك أول سطوع لنجمٍ سيصبح لاحقًا أحد أبرز لاعبي اليمن في الكونغ فو.

هذا الفوز جعل هلال يزداد صلابه وحلم وقوة وإصرار لتصدم طموحاته بنقص حاد في المعدات التدريبية وغياب شبه تام للدعم الحكومي فكان والده وشقيقة سعيد هم السند والدعم له ليواصل تدريبه الذي يم يكتفي به في المركز اليمني , فحول حوش منزله لمكان تدريب مصغر كان هلال يستيقظ باكراً، يقوم بالأحماء والجري ويعبر أزقة وشوارع صنعاء مع ضوء الفجر، يرفع عجلات السيارات، ويصنع أكياسًا من التراب للتدريب، فكانت كل قطرة عرق تسقط تمثل خطوة نحو حلمه، وكل ألم جسدي اختبارًا لإرادته الحديدية.

ليأتي شهر أبريل من العام 2012م، اختير هلال لتمثيل المنتخب اليمني في البطولة العربية للشباب في الأردن. حمل حقيبته المليئة بالأحلام والطموحات، وسافر لأول مرة خارج الوطن، ليعود متوشحًا بالميدالية الفضية ويحقق أول إنجاز خارجي له على الصعيد الشخصي، وبداية مسيرة جعلت اسمه يتردد في أروقة الرياضة اليمنية يقول شقيقة سعيد : بعد بطولة الأردن بدأ نجمه يصعد ويهتم به المدرب الصين زورنج أكثر كمشروع بطل أولمبي عالمي واصبح أحد أهم اللاعبين في اليمن من بين كل الألعاب الرياضية الفردية المختلفة في العام التالي تحديداً في نوفمبر 2013م حرم هلال الحاج من المشاركة في بطولة العالم للكونفو الثانية عشرة للوشو للكونغ فو التي أقيمت في العاصمة الماليزية كوالالمبور رغم استعداده القوي , لعدم وصولة إلى ماليزيا في الوقت المحدد بسبب تأخر صرف المستحقات المالية من وزارة الشباب والرياضة اليمنية ليصاب بخيبة أمل ويتلقى أول درس قاسٍ من واقع الحياة أن الشجاعة والموهبة لا تكفيان وحدهما، وأن الطريق نحو المجد مليء بالعقبات ثم في فبراير من العام 2014م، ،عاد هلال ليضع بصمته على البطولة العربية السادسة ببيروت محققاً. الميدالية الفضية وفي ذات العام حقق ذهبية بطولة الصداقة اليمنية الصينية وفي نوفمبر من العام 2015م ومع تدمير معظم المنشئات الرياضية في اليمن حقق هلال المركز الأولى في الملتقى الوطني الأول وحصد الميدالية الذهبية في بطولة غرب آسيا في طهران بنفس العام ، ثم جاء العام 2016 ويحصد الميدالية الذهبية في البطولة العربية في لبنان ليشارك بعدها في عام 2017، باكو، دورة ألعاب التضامن الإسلامي حيث كان كل شيء ضد هلال:صعوبة السفر، ضعف الإمكانيات، غياب الدعم.

لكنه واجه الجميع ورفع علم اليمن عاليًا وحصد الميدالية البرونزية الوحيدة لليمن بين كل الألعاب المشاركة في البطولة

 

انكسار بطل وفكرة الهجرة

 

بعد تحقيق هذه الإنجازات الإقليمية والخارجية، كان هلال يتوقع أن تقوم الدولة، حتى وهي ترزح تحت وطأة الحرب، بتكريمه وإدخاله ضمن برنامج صناعة البطل الأولمبي.

لكن شيئاً من هذا لم يحدث.

تم نكران إنجازاته، واستُخدمت ميدالياته للتباهي الإعلامي دون تقديم أي أمل حقيقي وتعرض لصدمه نفسية حينما تحدث مع مسؤولي الرياضة في اليمن أنه رفع علم اليمن عالياًُ اخبروه أنهم لم يطلبوا منه ذلك .

هنا بدأ هاجس السفر إلى أوروبا يسيطر على تفكيره، خاصة وأن لاعبين يمنيين آخرين في ألعاب مختلفة نجحوا في الهجرة, فلم تكن المشكلة في الإرادة، بل في الجنسية؛ فلطالما كانت التأشيرات تُحرم على الرياضيين اليمنيين الراغبين في المشاركة في البطولات الأوروبية.

لقد أصبح هلال يرى أن الميدالية لا تفتح الحدود، وأن الهروب هو السبيل الوحيد لإنقاذ مستقبله في أغسطس عام 2018 وبعد مشاركة هلال في دورة الألعاب الآسيوية 2018 آسياد اسيا عاد لدولة مصر واستقر في القاهرة برفقة لاعب المنتخب اليمني للملاكمة جمال الصبري الذي قال أن هلال كان يمتلك شجاعة كبيرة وإصرار مختلف هذه المرة نحو الهجرة نحو أوربا , فيما تحدث صديقه أحمد الاشول في لقاءاتهم المتكررة في القاهرة أن هلال فاجأه ذات مره وهو يقول ( لأبد أن أهاجر نحو أوربا ) حاولت أن أحذره من خطر البحر والقصص المليئة بالمأسي من شباب يمنيين وافارقه ، لكنه ابتسم وقال( لا يوجد لنا مكان في اليمن ويجب أن نعيش بكرامة ومستقبل يليق بنا كبطل أو نموت ونحن نحاول )

 

*النزال الأخير*

سافر بعدها هلال إلى الجزائر وقضى عدة أشهر عند شقيقة سعيد الذي كان أول من ارشده وعلمه حب الوشوو كونغ فو , وسط محاولاتهم المتكررة في البحث عن كل الطرق الرسمية من أجل سفر هلال إلى أوروبا مثل الحصول على جوازات دبلوماسية من اليمن أو تأشيرة لأي دولة أوروبية ولم يفلح الأمر معهم فيما الفكرة مازالت تحتل كيان وعقل هلال نحو الهجرة وتساءل شقيقه سعيد بحسرة، وهو يرى يأس هلال: "لماذا لا تضع اللجنة الأولمبية الدولية برنامجاً لإنقاذ اللاعبين في البلدان التي تعاني الحروب مثل اليمن، وتجعلهم يتدربون في أوروبا؟ اللجنة الأولمبية تتحمل جزءاً من أسباب غرق هلال" ليسافر بعدها هلال نحو المغرب محاولاً الهجرة نحو أسبانيا عبر الطريق البري وبعدما فشل في ذلك أتجه نحو الهجرة عن طريق البحر حينها صادف مهرب قام بنقله مع شخص آخر بقارب مطاطي صغير من مدينة الناظور المغربية نحو مليلة الاسبانية , وبعدما دقائق من تحرك القارب المطاطي فبدأت ملامح شواطئ مليلية تظهر في الأفق والسعادة تظهر في ملامح هلال الذي بدا يمسح كل المآسي التي قابلها , ومعا اقترابهم من شواطئ مليلة وفي تلك اللحظة الحرجة، طلب منهما المهرب، وهو من جنسية إفريقية، القفز من القارب فوراً، مالم ستلقي القبض علمهم من قبل السلطات الإسبانية.

قفز هلال وقفز صديقة الذي نجح في الوصول إلى الشاطئ، لكنه التفت خلفه ليجد صديقه هلال يخوض معركة شرسة مع الأمواج التي اشتدت فجأة وكانت أقوى من ركلات الكونغ فو، وأعنف من أي خصم واجهه البطل.

 فكانت الأمواج تتغلب على جسده المفتول وقذفته على الصخور الكبيرة ليفقد هلال الوعي لكنه لم يستيقظ بعدها ليسقط إلى قاع البحر الأبيض المتوسط، ليخسر آخر نزال في حياته .

وبذلك، تحولت قوة ركلاته إلى رمز لليأس الذي ينهي حياة الابطال الرياضيين، ليبقى السؤال: كم بطلاً رياضياً آخر سيضطر للقتال حتى الموت، لا على أرض الميدان ، إنما في عرض البحر؟

جثمان هلال الحاج اثناء وصوله الى عدن

 

جثمان هلال الحاج


الرياضي نت
https://mail.alriadi.com

رابط المقال
https://mail.alriadi.com/articles-1086.html


تمت طباعة المقال بتاريخ 2025-12-06 08:12:56